ارفع الآخرين بلطفك
Written by adminrajalalam on December 23, 2023
الحياة الحقيقية مع المسيح لا تقتصر على تجنّب الشرور والخطايا التي تُحزن روح الله القدوس الساكن فينا فحسب؛ بل هي أسمى من ذلك بكثير، إنها إظهارٌ لصفات المسيح الجميلة في حياتنا. واللّطف هو صفة من صفات المسيح التي يمارسها المؤمن في تعامله مع الآخرين، مظهرًا لهم محبّته بتعبير عمليّ متمثلًا بسيّده؛ ويُشير إلى الروح غير الأنانية التي تعمل لأجل الآخرين. فالّلطف هو موقف يتّسم بالعطف وإبداء المودة نحو الذين يحتاجون إليها. إنه يُعَدّ من الفضائل المسيحيّة التي يستعرضها الرسول بولس في رسالته إلى أهل كولوسي 3: 12 حاثًا المؤمن على ارتداء فضيلة اللّطف عندما يستيقظ في الصباح، وكأنه يقوله له: عليك بارتداء ملابسك روحيًا وعاطفيًا وجسديًا أيضًا؛ مؤكدًا أن اللّطف هو موقف اختياري، يستطيع المؤمن أن يمارسه كلّ يوم.
أن تكون إنسانًا لطيفًا؛ هذا يعني أن تكون حساسًا ومدركًا لاحتياجات الذين من حولك. فاللّطف يبدأ دائمًا بالحساسيّة. لأنك لا تنظر إلى ما هو لنفسك بل إلى ما هو لآخرين أيضًا، وتهتمّ بملاحظة احتياجات وآلام الآخرين ثم تسعى لتقديم الدّعم والتّشجيع لهم في ظروفهم. ففي العلاقات الزوجيّة على سبيل المثال؛ نكون في معظم الأحيان غير مدركين تمامًا لاحتياجات شريك الحياة؛ لذلك أصبحنا غافلين تمامًا عن الضغوط التي يعاني منها. من أجل ذلك نستطيع أن نقول بأن أصل العديد من المشكلات الزوجيّة هو فقدان الإحساس بالآخر.
من ناحية أخرى فإن الإنسان اللّطيف هو إنسان مشجّع، يعمل على بناء الاخرين لا هدمهم. وبكلماته الرّقيقة يرفع النفوس الكسيرة. فاللطفاء لا يجرحون الاخرين بكلماتهم القاسية، وبشتائمهم المؤذية، ولا بألقابهم الجارحة. بل يُعطون بكلماتهم دفعة عاطفيّة مشجّعة تدعم الآخر وتبنيه. يرفعون نفوسهم بكلمات التّشجيع الرّقيقة التي يمكن لها أن تُعيد بناء الجسور في العلاقات المتوتّرة.
ومن السّمات التي تميّز الإنسان اللّطيف هو قدرته على التعاطف مع الآخرين في ظروفهم، فهو يفرح لفرحهم ويتألم لآلامهم. ومَثَله الأعلى في ذلك هو الرب يسوع المسيح، الذي لم يُخفِ تعاطفه مع عائلة لعازر؛ فنقرأ أن يسوع بكى على قبر لعازر. وقد سجلت الأناجيل أحداثًا كثيرة يَظهر من خلالها عطف المسيح وحنانه تجاه المتألمين. فقد حزن لآلامهم وفرح لأفراحهم، فيسوع المسيح هو من جسّد اللّطف والعطف في حياته على الأرض. فإن كنت صديقنا تسعى لأن تتشبّه بالمسيح عليك أن تكون لطيفًا ومتعاطفًا، وإذا لم تكن كذلك، فأنت لست متشبّهًا بيسوع، لذا تعلّم أن تكون لطيفًا بإحساسك وتشجيعك وتعاطفك.
هنالك سمة أخرى يتميّز بها الإنسان اللّطيف، إنها القدرة على قول الحقّ بصدق مهما كان قاسيًا، وذلك لأنه يريد أن يكون مخلصًا مع الآخرين. ففي بعض الأحيان يحتاج اللّطيف أن يكون صريحًا مع الآخر، يخبره بما اقترف من أخطاء دون أن يُغلّف الحق بطبقة من السكر. فالأزواج اللّطفاء يهتمون بالمواجهة الصريحة بدافع المحبّة، والآباء المحبون اللّطفاء يواجهون أطفالهم بقول كلمة “لا” بسبب محبّتهم. وحتى تعرف الخطّ الفاصل بين أن تكون رقيقًا وأن تكون صلبًا؛ اسأل نفسك سؤالين: أولًا، هل أنا ملتزم تمامًا لما فيه صالح الآخر؟ وثانيًا، هل تعليقي يحمل كلمات السخرية اللّاذعة مغطاة بمسحة اللطف؟ هل لدي الاستعداد للبقاء والتحمل في سبيل مساعدة صديقي حتى يتغيّر؟ فاللّطف أحيانًا يعنى أن تكون صريحًا مواجِهًا، وكأنك تقول للآخر: لن أدعك تدمّر نفسك وتُفسد حياتك.
وأخيرًا إن كنت تريد صديقنا أن تكون إنسانًا لطيفًا؛ كنْ تلقائيًا. أَظهر لطفك حيثما تُتاح لك الفرصة. يقول الرسول بولس: ” فإذًا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع”، لا تسأل إن كان الآخر مستحقًا أم لا. فقد روى المسيح قصة السامري الصالح ليذكرنا بأن الكثيرين من حولنا مجروحون… مجروحون في علاقاتهم الزوجية، وفي عملهم، وفي أجسادهم، مجروحون عاطفيًا وروحيًا. والسؤال الذي يجب أن يسأله كلٌّ منّا لنفسه: ما عذري في عدم تقديم العون؟ ولما لا أمارس الشفقة واللّطف لهؤلاء المجروحين؟
إن العدو الأول للطف هو المشغوليّة، فتسمع من يقول : “ليس لديّ وقت لعمل ذلك.. ربما يُفسد جدول أعمالي.. لديّ أولوياتي وضغوطاتي التي تكفيني.. أنا مشغول جدًا لدرجة أني لا أستطيع تدبير وقت لزيارة جاري المريض أو تقديم طعام له..ليس لدي الوقت”. فإن كانت لديك مثل هذه الأعذار، فأنت حقًا مشغول جدًا بأكثر مما ينبغي..ولكن تذكّر بأننا جميعنا بحاجة إلى لطف الآخرين، وربما تكون أنت نفسك بحاجة له في أحد الأيام.
درّب نفسك على تنمية صفة اللّطف، ولتكن البداية في بيتك..ماذا بشأن ما يجري في بيتك؟ كيف يمكن أن تكون لطيفًا في البيت؟ كيف يمكنك أن تظهر لطفك مع زوجتك ومع الأبناء؟ فهناك الكثير من الزيجات التي انهارت والتي كان يمكن إنقاذها لو أظهر أطرافها لطفًا بعضهم نحو بعض، وعَامَل كلّ منهما الآخر باحترام. ومما يؤسَف له أن الكلمات الجارحة غالبًا ما تكون من أكثر الناس قرباً. وماذا عن أطفالك؟ هل أنت لطيف معهم؟ هل تهتمّ بهم الاهتمام الكافي؟ أم تقودهم فقط هنا وهناك وكأنك تقتاد قطيعًا؟
يوجد العديد من الطرق لإظهار اللطف داخل البيت وخارجه. حاول أن تكتب قائمة بأسماء سبعة أشخاص يمكنك أن تُظهر لهم لطفك وتعاطفك وتشجيعك هذا الأسبوع. ثم اطلب من الله أن يعطيك الفرصة لإظهار اللطف تجاه واحد من هؤلاء الناس كل يوم، وليكن ذلك كنوع من التدريب . قد تندهش إلى أي حد يمكن أن يجعلك هذا في حالة جيدة، لأن اللّطف هو ثمر من ثمار روح الله في حياة الإنسان المؤمن، والقلب اللّطيف هو أقرب شبهًا بالله، ولكي نكون لطفاء علينا أن نتّبع مقياس الله الذي أظهر غنى نعمته الفائق باللطف علينا في المسيح يسوع.