Current track

Title

Artist


الحياة الجيدة

Written by on December 23, 2023

تتشكّل في مخيّلة الكثيرين صورة للحياة الجيّدة التي يرغبون في الحصول عليها، وهذه الصّورة تختلف بين شخص وآخر. فلو قمنا بسؤال كلّ منهم على حدى عن مفهومه عن الحياة الجيّدة؛ فسوف نسمع من يقول بأن الحياة الجيّدة ترتبط في مخيّلته بحُسن المظهر، وفي الوصول إلى المقاييس التي تظهره جميلًا في عيون الآخرين. والمشكلة مع هؤلاء الأشخاص الذين يعلّقون أهميّة كبرى على الجمال والمنظر الجميل هو أن مقاييس الجمال تختلف باختلاف الناس، ولا يوجد مقياس موّحد للجمال. فما تراه جيّدًا بالنسبة لك، لا يكون كذلك بالنسبة لآخرين. أما آخرون فيروْن أن الحياة الجيّدة هي في أن تمتّع نفسك بأمور تشعرك بالرّاحة مهما كانت الوسيلة، ربما في الإكثار من تناول الطّعام اللذيذ، أو في تناول الكحول والمخدّرات، وربما في زيارة بلاد بعيدة أو في ممارسة رياضات مختلفة، إذ أصبحت مقاييس الحياة الجيّدة بالنّسبة إليهم تعني.. “كلّ ما يُشعرك بالمتعة افعله”. آخرون تتشكّل في مخيلتهم صورة للحياة الجيّدة ترتبط بمتعة الامتلاك، فيتّجهون إلى تكديس الأموال وإنفاقها في اقتناء كلّ ما يحلو لهم، وكأنهم بذلك يمتلكون الحياة الجيّدة.

يقدّم لنا الكتاب المقدّس مفهومًا يختلف تمام الاختلاف عن الحياة الجيّدة. فالحياة الجيّدة بحسب كلمة الله لا تُبنى على حُسن المظهر أو الشعور بالمتعة أو اقتناء الأشياء، إنما الحياة الجيّدة هي الحياة التي تكون وفقًا للقصد الإلهي الذي خلقنا الله من أجله، فقد خلقنا الله لنعيش بالتعقّل وبالبرّ والتّقوى، وأن نسلك في طريق الصّلاح الذي سبق وأعدّه من أجلنا لكي نسلك فيه. وهكذا نستطيع أن نحيا الحياة الجيّدة. إنما المعضلة تكمن في طبيعتنا البشريّة الفاسدة التي تفتقد إلى الصّلاح. والتاريخ يرينا بوضوح نتائج فسادنا وعدم صلاحنا. فعلى الرغم من أنّ جيلنا هو الأكثر تعلُّمًا وتطوّرًا؛ إلاّ أنّنا ما زلنا نعاني من العنف ومن جرائم الكراهية ومن الحروب ونتائجها الكارثيّة. فأصل المشكلة كامن فينا والتّاريخ يعكس ببساطة نتائج أفعالنا غير الصالحة التي أساسها طبيعتنا الفاسدة. فنحن كثيرًا ما نقوم بالأفعال الخاطئة برغبة منّا! فكم من مرّة اخترنا أن نكون غير محبّين وغير صبورين؟ ولم نرغب بعمل ما هو صالح؛ حتى حين علمنا بأنه الأمر الصائب فكيف لنا أن نعيش الحياة الصالحة؟  

كتب الرّسول بولس في رسالته إلى أهل رومية عن تجربته الشخصيّة فقال:” فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ”! هذه هي الطّبيعة الفاسدة التي تمنعنا من التمتّع بالحياة الصالحة. والله الذي يَعلم مُعضلتنا، قدّم لنا الحلّ في شخص ابنه يسوع المسيح، الذي جاء إلينا ليخلّصنا ويغيّر طبيعتنا الفاسدة بموته الكفاري بدلًا عنّا. وعندما نؤمن بعمل المسيح من أجلنا فوق الصّليب فإن الله يغيّر طبيعتنا القديمة الفاسدة إلى طبيعة تشبه طبيعة المسيح، حتى نقوم بالأعمال الصالحة التي سبق وأعدّها لكي نسلك فيها. أما نحن فعلينا أن نجتهد في تطوير قيمنا الصالحة، ولن يحدث هذا إلا بكلمة الله الحيّة..ندرسها ونحفظ آياتها عن ظهر القلب، فتمتلئ قلوبنا وعقولنا بها. فإن كلمة الله قادرة على حمايتنا من السّقوط في الخطيّة، إنها تعلّم وتوبّخ وتقوّم وتؤدّب.

من ناحية أخرى فإن الحياة الصالحة التي بحسب فكر الله؛ تحتاج منك أن تسيطر على أفكارك، لأن الفكر حقل أمام الشّيطان وهو يرغب دائمًا في زرع أفكاره هناك. فلو تعهّدت هذه الأفكار بالرّعاية في عقلك، فإنها ستصبح ظاهرة في حياتك. راقب فكرك، واحذر بشأن ما تسمح له بالدّخول إلى عقلك. كنْ رقيبًا على أفكارك، وفكّر بالأشياء الصالحة والإيجابيّة التي تسمو بك..”كلّ ما هو حقّ كلّ ما هو جليل، كلّ ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مسرّ، كل ما صيته حسن”. ثم اجتهد أن تنمّي لديك بعض القناعات. فمن المفروض مثلًا أن تُدرك بأن الصّلاح يعني الدفاع عمّا هو صواب. والوقوف ضدّ ما هو خطأ. فالمسيح كان يكره الخطيّة لكّنه يُحبّ الخطاة، مقدّمًا لهم فرصة للتّوبة. ونحن غالبا ما نميل لأن نفعل العكس.. نحن نكره الخطاة ونحب الخطيّة. والله يريدنا أن نحبّ الخطاة ونُشفق عليهم. من أجل ذلك لتكن لك قناعة ضد الخطيّة، إنما شفقة ومحبّة للخاطئ.، ثم اتخذ مواقف صارمة ضدّ أشياء بعينها، كالاعتداء على الأطفال، والإجهاض، ورفض للنّكات والمشاهد الخليعة، رفض كلّ ما هو فاسد، تحدّث ضدّ كلّ هذه الأمور على الملأ. لأن تمادي الشرّ في العالم يعود إلى تقاعس الأتقياء عن مقاومته بمواقف صارمة. واعلم أنك إن نميّت هذه القناعات فإن الكثيرين لن يتقبّلوك، وربما ستصبح غير محبوبًا لديهم، لكن تذكّر كلمات بطرس أنه من الأفضل لك أن تتألّم عاملًا الخير من أن تتألّم كفاعل شرّ.

أن تكون إنسانًا صالحًا وتحيا حياة جيّدة فذلك يعني أكثر من فكرة تجنّب الشّر، إنه الحماس لما هو صواب وتعزيز ما هو إيجابي وصالح. فالحياة مع المسيح تقدّم لك حياة جيّدة، لا تتسم بالسهولة، لكنها ذات قيمة خالدة. فلا تفشل في عمل الصّلاح، واعلم أن الله لن ينسى مواقفك وأعمالك الصالحة وسيأتي اليوم الذي ستكافئ فيه من الرّب إن كنت لا تكلّ. 


×