الصلاة مقتدرة في فعلها
Written by adminrajalalam on December 23, 2023
طالما نحن في العالم، نسير في دروبه ومحاطين بشروره؛ فإنّنا نكون عُرضة للسقوط في تجاربه. ولكي نحفظ نفوسنا بلا عيب ولا دنس من العالم؛ علينا أن نلجأ إلى سلاح الصّلاة. والمسيح له المجد في تعليمه؛ يطلب منّا أن نداوم على الصّلاة لأنّها مقتدرة في فعلها. فإذا أردنا أن نتّبع وصاياه وتعاليمه وتحذيراته القويّة، كضبط النفس ضد الطمع، وعدم القلق وحمل الهموم، والامتلاء بالمحبّة السماويّة القادرة أن تعفو وتغفر وترحم وتصنع سلامًا وتعامل الغير كما تحبّ أن يعاملوها؛ سنكتشف بأنّنا غير أكفاء! لذلك يحثّنا الرّب على الصّلاة بقوله: صلّوا! لأن “غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله”. إنّ خصائص الحياة فوق الطبيعيّة التي يدعونا إليها المسيح، يلزمها الحكمة والقوّة التي تأتي من فوق، لذلك يحرّض الرّب على السّؤال والاستمرار في السّؤال، وعلى الطّلب والاستمرار في الطّلب وعلى القرع والاستمرار في القرع.. فيقول:”اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ. أَمْ أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِذَا سَأَلَهُ ابْنُهُ خُبْزًا، يُعْطِيهِ حَجَرًا؟وَإِنْ سَأَلَهُ سَمَكَةً، يُعْطِيهِ حَيَّةً؟ فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ!”
إنّ الحكمة والقوّة اللازمتين للحياة المسيحيّة، سينالها الذين يصلّون من أجلهما بحرارة ولجاجة. يبدو وكأنّ الرّب في تعليمه عن الصّلاة يريد أن ينبر على كلمة “اسألوا” فكرّرها أربع مرات. وكأنّه يريد أن يبعد عن أفكارنا كلّ ما يتعلّق بالشكليّة أو الطقسيّة التي تصاحب الصّلاة، ويعلّمنا بأنّ الصّلاة لا تزيد عن سؤال يقدّم كما يسأل الطفل والده بكلّ حريّة وثقة. من الطبيعي أن يستصعب الناس اللّجوء إلى طلب المساعدة من البشر، لكن الطفل الصغير لا يتردّد في طلب ما يلزمه من والده. فهو يأتي بلا تردد أو إحجام ليسأله عمّا يريد، وبكلّ سرور يجيب الوالد طلبه. فإن كان لدى الوالدين حنوّ على أبنائهم ومعرفة بما يحتاجونه؛ فإنّ الله أكثر حنانًا منهم، وأكثر معرفة بحاجاتهم. إنه شفوق على جميع الناس، ولكن بنوع أخصّ على المؤمنين بابنه يسوع المسيح، فإنّه يهبهم خيرات روحيّة وجسديّة من خلال استجاباته لصلواتهم. وقد سبق الرّب وعلّم تلاميذه من جهة الصّلاة، ودعاهم إلى الاتكال الكامل على الله نظرًا إلى جوده غير المحدود، وحنّوه الأبويّ من نحوهم كأولاد له. وهذا ما يريد الرّب أن نعمله، وكأنّه يقول: اسأل الله عن احتياجاتك كما كنت تسأل والدك وأنت صغير.
لا شكّ أنّ هناك “المرتابين” الذين يتساءلون:”هل حقًّا كلّ صلواتنا تُمنح لنا؟” والإجابة: نعم بالتأكيد، لكن ليس بالكيفيّة التي نتوقّعها نحن، بل بطريقة أخرى يريدها الله. لا يوجد صلاة نرفعها، تكون مبنيّة على احتياج حقيقي، إلا وتستجاب بطريقة ما، وفي وقت ما، وفي مكان ما. لكننّا للأسف نفشل كثيرًا في استلام الاستجابة! كالذي يرسل طلبَه عبر البريد وينتظر الردّ، لكنّه لا يذهب إلى مكتب البريد لأخذ ما طلبه. لذلك يكمل الرّب في تعليمه ويقول: “اطلبوا تجدوا”، كالغوّاص الذي ينزل إلى أعماق البحر بحثًا عن اللآلئ الثمينة، أو كالمرأة في المَثل الذي قاله المسيح، التي فقدت درهمها؛ فأضاءت المصباح وكنست البيت وفتّشت باجتهاد حتّى وجدته.. هكذا يقول الرّب “اطلبوا!” فإذا كنت قد فقدت سلامك مع الله، أو الإحساس بحضوره في حياتك، فلا يهدأ لك بال أو يستريح قلبك، بل اطلب من الله باجتهاد حتى تجد، ربما لا تجد ما تطلبه أنت، لكنّك ستجد ما هو أفضل وأنفع.
في بعض الأحيان يحتاج المؤمن أن “يقرع” الباب وينتظر حتى يُفتح له. لا يُخفى أنّ الخاطئ المسكين التائب، عندما يأتي إلى الله بواسطة الرّب يسوع المسيح، لا يجد أمامه بابًا مُغلقًا، بل يجد باب بيت الآب مفتوحًا، بل يجد الآب نفسه قد خرج مُرحِّبًا به. وأما بعد دخولنا إلى البيت وصيرورتنا بنين، فأنّنا نجد أبوابًا كثيرة مُغلقة قدامنا وكأن الله حجب وجهه عنّا فلا نراه. وهذه هي المناسبات التي علينا فيها أن نقرع بشدّة حتى يُفتح لنا. وكم من المرّات حدث في اختبارات المؤمنين أنّهم وهم واقفون ومنتظرون ويقرعون، إذا بالباب قد انفتح بيد خفيفة، وتبدّلت أوقات الضّيق بالفرج والغبطة والسّعادة.
استخدم الرّب في تعليمه عن الصّلاة مَثل “الخبز والسمك”، قوام الحياة آنذاك. وأشار إلى ان الطفل الصغير في بساطته قد يتناول حجرًا بدلا من رغيف صغير يشبهه شكلًا، أو حيّة بدلا من سمكة. فأي إنسان حتى وإن كان خاطئًا يمكن يعطي ابنه حجرًا بدلًا من خبز، او حيّة بدلًا من سمكة؟ بالتأكيد لا يوجد بين البشر من يفعل ذلك، لأن محبة الأب لابنه تسيطر على أعماله، فيقول:” لا، يا صغيري، إن الحجر ليس طعامًا، والحيّة تؤذيك. انظر، هنا يوجد ما تحتاج إليه، “الخبز والسمك”. هكذا في حياتنا الفانية، حين يرخي الظلام بأستاره علينا، فنضطّر أن نهيم وسط الظّلام، والجوع يستبد بنا، نظن أن هذا وذاك هما ما نحتاج إليه لشبعنا، ونكاد نمدّ أيدينا إلى الحجر ظنًا منّا أنه خبز، وإلى الحيّة ظنًا منّا أنها سمكة. فإن كان الأب الأرضي يدرك ابنه ويحميه، كم بالحريّ الآب السماويّ يسرع على الفور قائلًا:”كلا، يا بني الصغير، فإني من أجل المحبّة لا أسمح لك بهذه، بل أعطيك بدلًا منها خبزًا حقيقيًا وسمكًا حقيقيًا.
قد يعطينا الله أشياء تبدو أحيانًا كأنّها حجارة وحيات، لكنها ستتحول إلى خبز وسمك. فلا تستغرب إن رأيت ضمن الطّعام الموضوع على مائدة حياتك ما يهدد بكسر أسنانك أو بتعب معدتك؛ لكن ما دام الله الإله الصّالح هو من هيّأه لك، فإنك ستجده غذاء طيّبا لك. من ناحية أخرى فإن الله لا يعطي الضروريّ فقط، بل يعطي بغنى ما هو أعظم وأكثر. هذه هي الناحية التي تبعث التعزية في قلوب المؤمنين؛ أننا قد نطلب أي شيء نحتاج إليه، ولنا الثّقة بأن الله لا يمنع خيرًا عن السّالكين بالكمال. صديقنا، خذ خبزك وسمكك من يد المسيح، ثم اكسر واعطِ، ولا تخف، فإنّ البركة تلازم عطاءك، وثق أنه سيتبقّى في النّهاية ما يكفي لحاجتك.