الفرح وقت الأزمات
Written by adminrajalalam on December 23, 2023
سعادتنا في الحياة غالبًا ما ترتبط بالأيام الجيّدة، تلك التي تسير فيها الأمور وفقًا للخطط النّاجحة التي وضعناها لأنفسنا. فنحن نسعد إذا جاءت الرّياح بما تشتهي السّفن. ولكن ماذا عن باقي الأيّام؟ ماذا عن الأيّام السّيئة، والمصائب غير المتوقّعة التي تأتي إلى حياتنا دون سابق إنذار؟ فإن كانت السّعادة مرتبطة بالأيّام التي تكون فيها الأمور على ما يرام؛ فلا بدّ إذا أن تكون التّعاسة من نصيبنا شطرًا كبيرا من الحياة!
إنما هناك فرق بين السّعادة والفرح، وكلمة الله توضّح ذلك الاختلاف الكبير بين مفهوم السّعادة ومفهوم الفرح. فالسّعادة كما ذكرنا سابقًا، هي مشاعر ترتبط بسير الأحداث، فإن كانت الأحداث جيّدة يكون مؤشّر السّعادة مرتفعًا، وإذا ساءت، يشعر الإنسان بالتّعاسة والإحباط والاكتئاب. أما الفرح، فهو أمر يختلف تمام الاختلاف. إنه شيءٌ داخليٌّ عميقٌ، وموقفٌ اختياريٌّ غير مرتبط بالظّروف مهما كانت. فأنت تختار أن تكون فرحًا على الرغم من الظّروف؛ ممّا يجعل حياتك أكثر إيجابية وأكثر عمقًا وأكثر بهجة، بل يمكنك أن تكون إيجابيًّا في عالم سلبيّ، وأن تظلّ متفائلًا عندما يتحطّم كلّ شيء من حولك. إنه فرحٌ لا علاقة له بظروف الحياة الزّائلة. ولا هو بالتّالي فريسة اليوم الزّائل.
فإن كان الفرح يرتبط بشيء داخلي عميق في الإنسان؛ فلا بد أن يكون لهذا الفرح أسبابه التي تظهره عند الأزمات. وبالرّجوع إلى كلمة الله في الكتاب المقدّس، نجد أن الذين يتمتّعون بهذا الفرح العجيب هم الأشخاص الذين اختبروا محبّة الله وغفرانه؛ الذين تبررّوا بالإيمان وصار لهم رجاء أكيدٌ بالحياة الأبديّة. وقد نسب الرّسول بولس فرحهم كنتيجة لهذا الاختبار وإلى الرّجاء الأبديّ الذي صار لهم نتيجة إيمانهم؛ هذا الرّجاء الذي تتضائل أمامه كلّ المصائب التي يمكن أن تُصيب المؤمن في حياته، فيراها وكأنّها لا شيء أمام المجد الذي ينتظره في الأبديّة، مما يبعث في نفسه سلامًا وفرحًا ثابتًا في أزمنة الضّيق، لا يتأثّر بالظّروف ولا يتغيّر.
من جهة أخرى، يمكن للمؤمن أن يفرح في أزمنة الضّيق على الرغم من قساوة الظّروف، لأنّه يعلم أن لله غرضًا ساميًا من وراء كلّ ما يسمح به. فهو كثيرًا ما يضع المؤمنين به تحت الضّغوط والمتاعب عاملًا على تدريب إيمانهم وصقل مواهبهم وفضائلهم.. فأزمنة الضّيق هي أزمنة لها قيمة عظيمة في حياة المؤمنين، وتستحقّ كلّ الجهد والألم، إنها تزيد ثقتهم وتزكيتهم قوّة، وتمكّنهم من التّعامل مع المزيد من الضغوط عندما تأتي في المستقبل. وتزكية الله لصبرهم يعني مصادقته على صبرهم، لأنه جرّبهم وتبيّن نجاحهم. وهذه التزكية تملأهم فرحًا.
ربما يُسيء البعض فهم فكرة الفرح في الضّيق. فالمؤمن لا يضع قناع الفرح، أو يرسم ابتسامة عريضة كاذبة على شفتيه، متظاهرًا بأنّ كلّ شيء جيّد، منكرًا الواقع، ويتصرّف كما لو أن كلّ شيء على ما يرام. بالتأكيد لا، لأن الله لا يتوقّع من المؤمن أن يكون زائفًا أو منافقًا. لذلك لا ينكر المؤمن وجود الأشياء الصّعبة والسيّئة في الحياة. لكنّه يفرح في الضّيق لأنه يعلم أنّ لله غرضًا حين سمح بمواقف الضّيق. وأن كلّ الأشياء التي يسمح بها الله في حياته هي للخير فيحتمل بفرح، عالمًا أن الضّيق ينشئ صبرًا، وقدرة على التّعامل مع الضّغوط بثبات وعدم استسلام، فالله يريد أن يجعل من المؤمن به ذلك الشّخص الذي يُعتمد عليه فيستخدم الضّيق ليفعل ذلك. و سواء كنّا نحن من تسبّبنا بالضّيق، أو كان سببه آخرين، أو كان مصدره الشّيطان، فهو في كلّ الأحوال بسماح من الله، ولا شيء يحدث في حياة المؤمن عن طريق الصّدفة. إنما وعد الله للمؤمن.. ..”إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ” إشعياء 43: 2 إن الظّروف التي تجتازها مهما كانت؛ لن تجتازها وحدك، لأن الرب دائمًا معك، وبيمينه يمسكك.
إن كنت ترغب أن تُحدث تغييرًا في حياتك، وتجعل فرحك مبنيًّا على أساس لا يتزعّزع، اعمل على تنمية فضيلة الشكر. يقول الرسول بولس في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي 5: 18 ” اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ”. تعلّم كيف تشكر الله في كلّ الظّروف، وترنّم بترنمات الحمد له، والتّقدير لكلّ ما يسمح به في حياتك. فأكثر الناس امتنانًا هم أكثر الناس سعادة. ثم اعمل على تنمية فرحك الداخليّ بالعطاء، إذ أن العطاء مغبوطٌ أكثر من الأخذ. والمعطي المسرور يحبّه الله. إنّ ثقافتنا تقول: “عش لنفسك وانس الآخرين”. لكن مشاركة الاخرين بما تمتلك من وقت ومال وخدمة روحيّة تقتاد النّاس إلى معرفة الله والمصالحة معه؛ سوف تجعلك شخصًا أكثر فرحًا هنا على هذه الأرض، ويكتمل هناك في السماء.