Current track

Title

Artist


المخلّص الغالب

Written by on December 23, 2023

نَشرَت إحدى شركات التأمين على الحياة إعلانًا تدعو من خلاله إلى الاستثمار لديها، وختمت إعلانها بعبارة تقول فيها: “دعْ الّذين يعتقدون بأنهم سيعيشون إلى الأبد يقومون بوضع ترتيباتهم الخاصّة”! عبارة ساخرة.. ولكن ماذا لو كانت هناك بالحقيقة حياة وراء القبر؟ وماذا لو أنّنا عشنا إلى الأبد دون أن نضع لأنفسنا أيّة ترتيبات؟ وماذا لو أننا فعلًا سنُطالب بتقديم حساب عن الحياة التي عشناها؟ ماذا لو صحّ تعليم العهد الجديد القائل: ” وُضع للنّاس أن يموتوا مرّة ثم بعد ذلك الدينونة “؟

ربما هي تساؤلات مزعجة ولكنها مُنصفة. لأنها تتفق مع الحرّية التي نتمتّع بها على الأرض. فنحن نعلم حقّ العلم أن الحرّية والمسئوليّة هما وجهان لعملة واحدة. فالطالب مثلًا له حرّية غير محدودة، لكن يومًا سيأتي سوف يجلس فيه ذلك الطالب في قاعة الامتحان ليقدّم حسابًا عن هذه الحريّة. فماذا لو تبيّن أن الحياة هكذا؟ ماذا لو صحّ قول الإنجيل أن يوما سوف يأتي وسيقدّم كلّ واحد منّا لله حسابًا عن نفسه. فمن أين لنا أن نعرف بأن القبر ليس هو النهاية؟

يتأكّد المرء من وجود حياة بعد القبر في حالة رجوع ميت يحمل معلومات موثوق بها. وهذا بالمفهوم الطبيعي أمر مستحيل الحدوث. فالأموات لا يقومون. لكنها قضيّة تقودنا نحو جوهر الادّعاء المسيحي. فالمسيحيّة من بين ديانات العالم أجمع تجرؤ على القول بأن المرء يستطيع أن يعرف عن الحياة بعد الموت، وما الذي ينتظره هناك، وذلك لسبب بسيط وكاف؛ هو شخص المسيح الذي مات مصلوبا فوق تلّة الجلجثة في مدينة أورشليم، ودفن في القبر؛ ثم قام في اليوم الثالث من بين الأموات. الذي عاد من وراء القبر لكي يبيّن لنا أنه قد قهر آخر عدّو، وهو الموت، واهبًا لكلّ من يؤمن به القدرة للسير في أثره.

لقد مات المسيح حقًّا بكلّ ما في الموت من معنى، مات أمام أنظار الناس المحيطين بالصّليب، وصادقت السلطات الرومانيّة على موته، ثم دُفن في القبر في مكان معروف. أما التلاميذ فقد فقدوا كل رجاء، وانسحبوا في خوفهم وراء الأبواب المغلقة. ليستيقظوا في اليوم الثالث على معجزة هزّت العالم السياسي والدّيني. لقد قام المسيح من الموت ليصبح أول شخص يعود من الموت ولا يموت ثانية، وقيامته بالجسد هي مثال وتأكيد لقيامة الأجساد. وجد التلاميذ الحجر وقد تدحرج عن باب القبر، ذلك لأن الموت لم يقدر أن يُمسك ربّ الحياة. وعلى الرغم من ضباب الشّك الذي أراد أعداء المسيحيّة أن يجمعوه حول قيامة ربّ المجد؛ لكن القيامة تبقى معجزة المعجزات التي تأيّدت بشهود كثيرين وببراهين ساطعة لا تقبل الجدل.  

إن قيامة المسيح منتصرًا على الموت؛ هي حجر الزّاوية في إيماننا المسيحي، فقد كان لازمًا أن يموت المسيح عن خطايانا وأن يقوم من أجل تبريرنا، بمعنى أنه بدون موته وقيامته كنّا سنبقى في خطايانا. يقول الرسول بولس:” وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ!” فالقيامة وضعت ختم التّبرير على صكّ خلاصنا، وتحرير لنا من الدّينونة العتيدة. فهل كان في وسع مخلص يرتهنه ظلام القبر أن يُنير الحياة والخلود وأن يُدخل الفرح إلى قلوب مكتئبة منسحقة بالحزن؟ بالتأكد لا! إننا نحتاج إلى مخلّص مُقام لنجثو عند قدميه لطلب الغفران. إننا نحتاج إلى مخلّص أمين نستودعه نفوسنا بثقة إلى أن نصل إلى المنازل التي أعدها لنا في بيت الآب السّماوي.

إننا نحتاج إلى ربّ حيّ يتخذ منّا موقف الصديق ويباركنا بمحبّته الغنيّة ويملأ قلوبنا بسلامه الذي لا يُستقصى. إننا نحتاج إلى مخلّص غالب منتصر يعضدنا بيمين برّه ويعيننا في ساعة التّجربة. إننا نحتاج إلى شفيع يشفع في ضعفاتنا أمام الآب السّماوي، ويدفع عنا افتراءات العدو المقاوم والمشتكي، وهذا المخلّص وهذا الرّب وهذا الشفيع وهذا القائد هو يسوع المسيح المقام، الذي يؤكّد لكلّ المؤمنين به بالقول: “إني أنا حيّ فأنتم ستحيوْن”. بغير الإيمان به وتسليم الحياة له، لن يستطيع الإنسان أن يصل السّماء والحياة الأبديّة. فوجود حياة بعد القبر أو عدم وجودها يتوقّف علينا، لأننا من نختار لأنفسنا أن تنتهي حياتنا بالموت الأبدي، أو أن يبزغ بعد الموت فجر حياة جديدة.

فلنفرح ولنتهلّل لأن وليّنا حيّ، قد كسر شوكة الموت وأعطانا ضمانًا أكيدًا بالنّصرة على عدوّنا الألدّ. فلنفرح لأننا نستطيع أن نتمتّع بعشرة الرّب كما تمتّع بها تلاميذه الأوائل، فهو حيّ معنا في كلّ حين. بانتصاره وقيامته نتطلّع إلى الموت لا كنهاية كلّ شيء بل كنهاية لفترة سبات داخل الشرنقة. فإن كنّا لا نستطيع أن نقول ما قاله الشهود الأوائل: ” قد رأينا الرّب”، لكن في مقدور كلّ مؤمن به أن يقول “أنا أعرفه، لقد دخل حياتي، وأحدث فيّ تغييرًا جذريًا عجيبًا، وبهذا المعنى يكون كلُّ مؤمن شاهدًا لقيامة يسوع.


×