النور جاء إلى العالم
Written by adminrajalalam on December 23, 2023
لم يشهد التّاريخ البشريّ ميلاد إنسان كميلاد “يسوع المسيح”، ففي تنازل عجيب جاء المسيح إلينا ليُنير أرضنا الغارقة بظلام اليأس والخوف والشرّ. أما الله الذي أمر النّور أن يشرق في الخليقة الأولى؛ فقد أشرق في قلوبنا بالرّوح القدس لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح. فلا عجب أن ترتفع أصوات المؤمنين به حول العالم، وهم ينشدون ترانيم الفرح والامتنان بميلاد يسوع “نور العالم”..”كوكب الصّبح المنير”، الذي أنار لنا الحياة والخلود، فلا حاجة لنا بعد ذلك إلى السّير في الظّلام.
نعم، جاء المسيح أرضنا، فكان النّور النقيّ الذي كشف الخطيّة، لكنّه لم يتلوّث بها. اقترب من الخطاة مشفقًا ومتحنّنًا، لكن الخطيّة لم تقترب منه ولم تمسّه. فهو القدوس الذي لم يعرف خطية ولا وجد في فمه غِش. صحيح أنّه كان في العالم، لكنّه لم يكن من هذا العالم..ولأنّه لم يكن من هذا العالم، فهو النّور النقيّ غير القابل للفساد. وحده من يستيطع أن ينظر في وجوه الآخرين ويقول: “مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟”، نعم إنّ مولود بيت لحم هو نور السّماء النقيّ والحقيقيّ الذي جاء إلى العالم لينير كلّ إنسان.
قال “ألبرت أينشتاين” إنّ سبب قدرته على بناء نظريتّه النسبيّة الشهيرة، هو أن هناك شيئًا واحدًا ثابتًا في العالم وهو سرعة الضوء، وكلّ شيء آخر يكون نسبيًّا. هذا في عالمنا الطبيعيّ. أما في عالم الرّوح فإنّ نور يسوع المسيح ثابت إلى الأبد. الشّمس مثلًا، التي تُشرق علينا كلّ يوم لتبعث بدفئها ونورها على أرضنا، سيأتي اليوم الذي ستختفي فيه إلى الأبد، إذ سيتم استهلاك طاقتها ببطء. أما نور يسوع الذي أشرق بنوره على أرضنا يومًا فهو نور ثابت بقوّته لا يزول ولا يتغيّر، إنه النّور الحقيقيّ الذي نستنير به في مسيرة الحياة، وسيكون هو مصدر نورنا في السّماء موطننا الأبديّ. كتب يوحنا الرّائي في سفره واصفًا المدينة السّماوية المقدّسة.. “وَالْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الشَّمْسِ وَلاَ إِلَى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْخَرُوفُ سِرَاجُهَا”. هكذا سينعم المؤمنين بنوره المجيد إلى الأبد. فالمدينة المقدّسة لا تحتاج إلى نور الشّمس المخلوقة، ولا إلى نور القمر المكتسب، لأن الله هو مصدر النّور والسّلطة ومجده ينيرها والخروف سراجها ومنه يشعّ نور مجد الله إلى جميع أرجائها إلى الأبد.
لا شكّ أنّ النّور والحياة أمران يرتبطان ببعضهما بشكل لا ينفصم. فلا يوجد حياة من دون النّور. هذا ما تؤكده كلمة الله في الكتاب المقدّس، حيث نقرأ في التّكوين، أنّ الله قال: “ليكن نور”، فكان نور، وبعد ذلك بدأت البحار تعجّ بالحياة، وبذور الأرض أخذت تتبرعم وتزهر وتنتج نباتاً للغذاء. فكما أنّ الحياة نفسها مبنيّة على ضوء الشّمس الذي بدونه يصبح عالمنا بارداً ومظلماً وبدون أي مظهر من مظاهر الحياة.هكذا بالمسيح “النور الحقيقيّ الذي جاء إلى العالم” تَسري حياته في كلّ من يؤمن به، فينتقل من الظّلمة إلى النّور، ومن الموت إلى الحياة. وقد أشار الرّب بنفسه إلى الهدف الذي جاء من أجله إلى عالمنا حين قال:” وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ”. إنّه يدخل بنوره إلى قلوبنا المظلمة التي أفسدتها الخطيّة، فيعيد إليها الحياة من جديد. وعلى قدر ما نسلّم أنفسنا لعمل روحه القدّوس المغيّر؛ يزداد تمتّعنا بالحياة المثمرة الممنوحة لنا. عندئذٍ، لا يكون لنا حياة فقط، بل يكون لنا أيضًا حياة أفضل.
لا الحياة بمعزل عن المسيح هي تخبّط في ظلمات الخطيّة والجهل. فلا إرشاد لنا خلال سيرنا في هذا العالم، ولا معرفة للمعنى الحقيقيّ لحياتنا على هذه الأرض. ولا للمسائل الأبديّة المصيريّة. فالخطيّة حجبت الله عنّا، وأصبحت معرفتنا بإلهنا جزئيّة وسطحيّة. والإنسان لفي احتياج شديد إلى الله، بل إنّ النّفس البشريّة لا تفتأ تصرخ طالبة الله. وهذا الاحتياج وتلك الصرخة لا تُشبع إلا بالمسيح “نور العالم”.
إن النور الحقيقيّ الذي جاء إلى العالم، لم يكتفِ بالكشف عن حقيقة الإنسان المرّة والمصير الأبديّ المحتوم. لكنه قشع ظلام الخطيّة، ومزّق الستار الذي كان يحجب الله عنّا، مبينًا لنا الطّريقة التي بها ينجو الخطاة من وزر آثامهم، فاتحًا بنفسه الطّريق المعبّد الذي يصل بهم إلى الحياة الأبديّة. ولم يكن ليتحقق هذا الرّجاء للخطاة، إلا بمجيء المسيح الذي سار بثبات من المذود باتجاه الصّليب؛ لكي يُبطل الموت بقيامته المجيدة، وينير للإنسان الحياة والخلود بواسطة الإنجيل، ويردّه إلى جادّة الصواب، موضّحًا له السبيل القويم إلى الحياة السّعيدة التي ينعدم فيها كلّ ألم وعناء، هنا على هذه الأرض، وهناك في الأبديّة.